ما المقصود بنظرية الخطابة أو البلاغة الجديدة ؟
- هي نظرية في الحجاج ظهرت مع كتاب "مصنف في الحجاج، الخطابة الجديدة" لشايم بيرلمان Chaïm Perelman ولوسي أولبريخت تيتيكاه Lucie Olbrechts Tytica الذي نشر في عام 1958م، يمثل أوْج ما توصلت إليه المدرسة البلجيكية.
- سبب التسمية بالخطابة الجديدة أن الحجاج عند المؤلفين يستند إلى صناعة الجدل من ناحية وصناعة الخطابة من ناحية أخرى، بكيفية تجعل الحجاج شيئًا ثالثًا، لا هو بالجدل ولا هو بالخطابة، ولكنه (خطابة جديدة)، وفيه حاول بيرلمان وتيتيكا المزج بين الخطابة الأرسطية والجدل الأرسطي في سبيل بناء هذه (الخطابة الجديدة).
- يؤخذ في الاعتبار:
1- كون بيرلمان فيلسوف في مادة القانون.
2- اعتماد المؤلفين على مدونة تدور على ضروب المحاجات التي يستخدمها الصحفيون في صحفهم والسياسيون في خطبهم والمحامون في مرافعاتهم والقضاة في حيثياتهم والفلاسفة في تصانيفهم، فكانت النظرية من أجل ذلك تركز على جانب الظفر بالحجة أو مصادر الأدلة أكثر من اهتمامها بجمالية العرض اللغوي أي الأسلوب.
- قسم المؤلفان كتابهما ثلاثة أقسام:
1- أطر الحجاج.
2- منطلقات الحجاج.
3- تقنيات الحجاج.
*** القسم الأول- أطر الحجاج:
وأهم ما فيه تعريف الحجاج والتفريق بينه وبين الخطابة والجدل.
- فيعرفان الحجاج بقولهما:"موضوع نظرية الحجاج هو درس تقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التسليم بما يعرض عليها من أطروحات، أو أن تزيد في درجة ذلك التسليم".
ويقولان في موضع آخر:"غاية كل حجاج أن يجعل العقول تذعن لما يطرح عليها من آراء، أو أن تزيد في درجة ذلك الإذعان، فأنجع الحجاج ما وفِّق في جعل حدة الإذعان تقوى درجتها لدى السامعين بشكل يبعثهم على العمل المطلوب (إنجازه أو الإمساك عنه)، أو هو ما وفِّق على الأقل في جعل السامعين مهيئين للقيام بذلك العمل في اللحظة المناسبة".
- حاول المؤلفان تخليص الحجاج من ربقة المنطق ومن أسر الأبنية الاستدلالية المجردة وتقريبه من مجالات استخدام اللغة مثل: مجال العلوم الإنسانية والفلسفة والقانون، وإضفاء بعد عقلي للخطابة يحفظها من أن تلتبس بالسفسطة والمغالطة والمناورة، اعتبار الحجاج "حوارًا" وفضاء اتفاق بين الخطيب وجمهوره، وليس هو استدلالا شكليًا ولا مغالطة أو مناورة وتلاعب بالمشاعر والعقول، وغايته تحقيق الاقتناع الذي يقع في منطقة وسطى بين الاستدلال والإقناع.
*** القسم الثاني - منطلقات الحجاج:
وفيه الحديث عن مقدمات الحجاج والاختيار بينها وطرق عرضها وصيغ العرض.
- مقدمات الحجاج تؤخذ على أنها مسلمات يقبل بها الجمهور، وتتمثل في: (الوقائع والحقائق والافتراضات والقيم وهرمية القيم والمعاني أو المواضع)، وهذه المقدمات تخضع للاختيار، ويقع هذا الاختيار على أساس نوعية الجمهور المتلقي للحجاج، واختيار هذه المقدمات بدوره يخضع لطريقة العرض، علمًا بأن اختيار عناصر الحجاج وعرضها عمليتان متداخلتان إلى حد أنهما تشكلان عملية واحدة.
- صيغ الحجاج اللفظية:
حاول المؤلفان ضبط الصيغ التعبيرية والموجهات التعبيرية التي لها دور حجاجي في عرض المعطيات، ومن ذلك النفي و طرائق الربط بين القضايا بواسطة أدوات الاستئناف فهي تبني النتيجة على السبب أو تحدث هرمية في شأن القيم، ومنها عبارات من قبيل: رغم أن، وإن كذا، فهي من التقنيات التي تتيح للخطيب سلاسة انقياد السامعين.
- حصر المؤلفان الموجهات بالمعنى اللساني التي لها دور حجاجي في عرض المعطيات في أربعة هي:
1- التوجيه الإثباتي: ومن شأنه أن يستخدم في أي حجاج.
2- التوجيه الإلزامي: وصيغته اللغوية هي الأمر، لكن ليس لهذه الصيغة قوة إقناعية، وذلك على عكس ما قد يعتقد، إذ يستمد الأمر طاقته الإقناعية من شخص الآمر وليس من ذات الصيغة، ولهذا يتحول الأمر إلى معنى الترجي حين لا يكون الآمر مؤهلاً شرعيًا لتوجيه الأوامر.
3- التوجيه الاستفهامي: وهي ذات قيمة خطابية جليلة إذ يفترض السؤال شيئًا تعلق به ذلك السؤال، ويوحي بحصول إجماع على وجود ذلك الشيء، كما أن اللجوء إلى الاستفهام قد يهدف أحيانًا إلى حمل من وجه إليه الاستفهام على إبداء موافقته -إذا أجاب- على ما جاء الاستفهام يقتضيه.
4- التوجيه بالتمني: ومداره على الصيغ المفيدة تمنيًا، وهذه الصيغ يستفاد منها الاعتماد على فكرة ما أو رأي ما تقر به المجموعة.
- وصيغ لغوية أخرى لها بعد حجاجي شأن الأزمنة، وشأن استخدام الضمائر يعوض بعضها بعضًا، ومجال هذه الصيغ التوجيهية في الحجاج أوسع بكثير من مجال التوجيهات المنطقية، وقد حصرها المناطقة في اليقين والإمكان والضرورة، فالهدف من الحجاج ليس تدقيق بعض الجهات المنطقية للقضايا بقدر ما هو توفير الوسائل المفضية إلى إقناع الجمهور وحمله على التصديق من خلال التنويع في ضروب التعبير عن الفكرة.
ومن الأشكال أو الصيغ اللغوية ذات المدى الحجاجي الوجوه أو الصور البلاغية التي كثيرًا ما نظر إليها نظرة أدبية حصرتها في وظيفة التحسين والتزويق، إن ما يهم صاحبي "مصنف في الحجاج" هو النظر إلى بعض الصور البلاغية باعتبارها مستخدمة في الخطاب لحاجات الحجاج، وأنها ذات قيمة حجاجية حتى وإن لم يقبل الجمهور بالأطروحة التي جاء يعرضها الخطاب، ومن هذه الصور الكناية والمجاز المرسل بجميع وجوهه، وكذلك الاستدراك أو التدارك والتكرار والإسهاب والالتفات في الأزمنة وفي الضمائر والتلميح والشاهد والاستفهام ..إلخ.
*** القسم الثالث - التقنيات الحجاجية:
حصر بيرلمان وتيتيكا أشكال الحجاج وبناه في تقنيتين أو طريقتين حجاجيتين وهما: طريقة الوصل وطريقة الفصل الحجاجيين.
++ الطرائق الاتصالية في الحجاج:
وهي التي تقرب بين العناصر المتباينة في أصل وجودها؛ فتتيح بذلك قيام ضرب من التضامن بينها، لغاية إبراز تلك العناصر في بنية واضحة، ولغاية تقويم أحد هذه العناصر بواسطة الآخر تقويمًا إيجابيًا أو سلبيًا. وتتمثل في ثلاثة أنواع من الحجج هي:
1- الحجج شبه المنطقية.
2- الحجج المؤسسة على بنية الواقع.
3- الحجج المؤسسة لبنية الواقع.
+ أولا- الحجج شبه المنطقية: التي تستمد طاقتها الإقناعية في تشبه الطرائق الشكلية والمنطقية والرياضية في البرهنة، لكن هي تشبهها فحسب وليست هي إياها، إذ في هذه الحجج شبه المنطقية ما يثير الاعتراض. وتنقسم إلى:
أ- التي تعتمد البنى المنطقية وهي أنواع:
1- التعارض: مثل لم أقتل كائنا حيا في حياتي (وهو يتعالج من الالتهابات يقتل البكتيريا)
2- التماثل: مثل (المرأة هي المرأة) أو (الأب يبقى دائمًا أبا).
3- التبادلية وقاعدة العدل: مثل (أحلال عليكم حرام علينا؟).
4- التعدية: مثل (عدو عدوي صديقي) حيث يدعم الطابع شبه المنطقي في هذه الحكمة ما يمكن أن يستنتج منها وهو (صديق عدوي عدوي).
ب- التي تعتمد العلاقات الرياضية ومنها:
1- إدماج الجزء في الكل: ما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء (ما أسكر كثيره فقليله حرام)
2- تقسيم الكل إلى أجزائه المكونة له: كقولنا: الكلام اسم وفعل وحرف، وفيه إشعار الغير بوجود الشيء موضوع التقسيم من خلال التصريح بوجود أجزائه.
+ ثانيًا- الحجج المؤسسة على بنية الواقع:
وهي لا تصف الواقع وصفًا موضوعيًا، وإنما هي طريقة في عرض الآراء المتعلقة بهذا الواقع، ويمكن أن تكون هذه الآراء وقائع أو حقائق أو افتراضات.
أ- وجوه الاتصال التتابعي:
1- الوصل السببي والحجاج وهو ثلاثة ضروب:
- حجاج يرمي إلى الربط بين حدثين متتابعين بواسطة رابط سببي مثل: اجتهد فنجح.
- حجاج يرمي إلى أن يستخلص من حدث ما وقع سببًا أحدثه وأدى إليه مثل: نجح لأنه اجتهد.
- حجاج يرمي إلى التكهن بما سيترتب على حدث ما من نتائج مثل: هو يجتهد فسينجح.
ومعنى هذا أن في الربط السببي يكون المرور في الاتجاهين: من السبب إلى النتيجة ومن النتيجة إلى السبب، وفي هذا الإطار يمكن أن نتحدث عما يسميه بيرلمان الحجة البراغماتية، وحد هذه الحجة أنها الحجة التي يحصل بها تقويم عمل ما أو حدث ما باعتبار نتائجه الايجابية أو السلبية، ومن هنا كان للحجة البرغماتية تأثير مباشر في توجيه السلوك وعدت من أهم وسائل الحجاج، إن مدار هذه الحجة كما قلنا على تثمين حدث ما بذكر نتائجه فعلى هذا لا يكون المقصود من هذه الحجة مجرد التثمين بل وتوجيه العمل أيضًا.
2- حجة التبذير: وهي حجة تقوم على الاتصال والتتابع وإن لم تكون ليعتمد فيها أساسًا على السببية، وتتمثل في أن نقول حسب بيرلمان:" بما أننا شرعنا في إنجاز هذا العمل وضحينا في سبيله بما لو أعرضنا عن تمامه لكان مضيعة للمال وللجهد فإنه علينا أن نواصل إنجازه".
3- حجة الاتجاه: وتتمثل أساسًا في التحذير من مغبة اتباع سياسة المراحل التنازلية كقولنا إذا تنازلت هذه المرة وجب عليك أن تتنازل أكثر في المرة القادمة والله أعلم أين ستقف بك سياسة التنازل هذه؟ أو التحذير من مغبة انتشار ظاهرة ما مما يسمى حجة الانتشار أو حجة العدوى.
ب- الاتصال التواجدي:
1- الشخص وأعماله: الأعمال تجلو جوهر الشخص وتفسره، كذلك في المقابل يمكن أن يكون الشخص أو ما نعرفه عنه هو الذي يفسر لنا ما غمض من أعماله، فالشخص ههنا ينهض لدور السياق الذي يعين على تأويل العمل، وفي هذه الحالة يلعب القصد أو النية أو الطوية دورًا مهمًا ونعني بها ما توفر لدينا من أفكار وآراء سابقة حول الشخص صاحب العمل، وهكذا فإن اللجوء إلى القصد او النية يمثل مناط الحجاج فهو يربط العمل بصاحبه ويعيننا على فهم عمله وعلى إمكان تقويمه، وإذن علاقة الوصل التواجدية لا يتبع الحجاج فيها مسار (عمل - شخص)، وإنما يتبع فيها أيضًا مسار (شخص - عمل) وهو ما أسماه بيرلمان "التداخل بين العمل والشخص".
2- حجة السلطة: حجة السلطة تستخدم أعمال شخص أو مجموعة أشخاص أو أحكامهم حجة على صحة أطروحة ما، وتختلف السلطة وتتعدد تعددًا كبيرًا فقد تكون "الإجماع" أو "الرأي العام" أو "العلماء" أو "الفلاسفة" أو "الكهنوت" أو "الأنبياء"، وقد تكون غير شخصية مثل "الفيزياء" أو "العقيدة"، وقد يعمد في الحجاج بالسلطة إلى ذكر أشخاص معينين بأسمائهم، على أن تكون سلطة هؤلاء جميعًا معترفًا بها من قبل جمهور السامعين في المجال التي ذكرت فيه، والعادة في الحجاج ألا تكون الحجة بالسلطة الحجة الوحيدة فيه وإنما تأتي هذه الحجة مكملة لحجاج يكون غنيًا بحجج أخرى غير حجة السلطة، كما أنه كثيرًا ما نعمد إلى الثناء على هذه السلطة قبل استخدامها حجة في كلامنا.
ج- الاتصال الرمزي: إن الوصل الرمزي يقوم على انتقال من الرمز إلى ما يرمز إليه مثلما ينتقل من العَلَم إلى الوطن، وما ثيره هذه الأشياء المادية من عواطف وأحاسيس يعود إلى ما بين الرمز والمرموز إليه من علاقة مشاركة أو تبرير ، فهذه العلاقة هي التي تثير العاطفة الدينية أو الوطنية، وعلى هذا يكون للوصل الرمزي وهو ربط تواجدي دور كبير في التأثير في الكائنات التي صنعته وجعلت له دلالة ما، فمن الضروري إذن بالنسبة إلى صانع الحجاج أن يدرك مدى اكتساب شيء ما طبيعة رمزية.
إن الرمز يؤثر في الذين يقرون بوجود الاتصال بين طرفيه، لكنه لا يؤثر بأي وجه في الذين لا يدركون تلك العلاقة الترابطية القائمة بين طرفيه، وهو ما يعني أن الرمز خاص بقوم ما وبثقافة ما، ولا يصلح أن يستخدم في مخاطبة جمهور عام، وهو ما يؤكده بعده اللاعقلي.
+ ثالثًا- الحجج المؤسسة لبنية الواقع:
1- تأسيس الواقع بواسطة الحالات الخاصة ومنها:
أ- المثل: ويؤتى به في الحالات التي لا توجد فيها عادة مقدمات ، إن المحاجة بواسطة المثل تقتضي وجود بعض الخلافات في شأن القاعدة الخاصة التي جيء بالمثل لدعمها وتكريسها، ويمكن للمثل أن تبني عليه قاعدة تكون عامة وتشكل قانونًا.
ب- البينة أو الاستشهاد: والفرق بين (المثل) و(الاستشهاد) أن الغاية من (المثل) تأسيس القاعدة، أما (الاستشهاد) من شأنه أن يقوي درجة التصديق بقاعدة ما معلومة وذلك بتقديم حالات خاصة توضح القول ذا الطابع العام، وتقوي حضور هذا القول في الذهن، وعلى هذا فإن (الاستشهاد) يؤتى به للتوضيح في حين أن (المثل) يؤتى به للبرهنة ولتأسيس القاعدة، وعلى العموم فإن (المثل) يكون عادة سابقًا للقاعدة، في حين يكون (الاستشهاد) لاحقًا قصد تقوية حضور الحجة وقصد جعل القاعدة المجردة حسية وملموسة.
ج- النموذج وعكس النموذج: ومداره على كائن نموذج يصلح على صعيد السلوك لا لتأسيس قاعدة عامة أو دعمها فحسب، وإنما يصلح كذلك للحض على عمل ما اقتداء به ومحاكاة له ونسجًا على منواله وإن بطريقة غير موفقة تمام التوفيق، وفي خط مواز (للمثال أو النموذج) يوجد (عكس النموذج)، فبواسطة حجة (عكس النموذج) هذه يكون الحض لا على الاقتداء بطبيعة الحال، وإنما على الانفصال عن الشخص الذي يمثل (عكس النموذج).
2- الاستدلال بواسطة التمثيل: يرى المؤلفان أن (التمثيل) في الحجاج ينبغي أن تكون له مكانته باعتباره أداة برهنة، فهو ذو قيمة حجاجية تظهر حين ننظر إليه على أنه تماثل قائم بين البنى، وصيغة هذا التماثل العامة هي: العنصر (أ) يمثل بالنسبة إلى العنصر (ب) ما يمثله العنصر (ج) بالنسبة إلى العنصر (د)، فالتمثيل مواجهة بين بنى متشابهة وإن كانت من مجالات مختلفة.
إن الشرط في (التمثيل) وهو من الحجاج القائم على الترابط بين أشياء ما كان لها أن تكون مترابطة بدءًا، أن يكون الموضوع والحامل من ميدانيين مختلفين، فإذا كانت العلاقتان أي العلاقة بين عنصري الموضوع من ناحية وبين عنصري الحامل من ناحية أخرى تنتميان إلى مجال واحد وتشملهما بنية واحدة لم تسم الظاهرة إذا (تمثيلا) وإنما تسمى (استدلالا) بواسطة (المثل أو الاستشهاد)، بحيث يكون الموضوع والحامل ههنا حالتين خاصتين يوسسان قاعدة أو يدعمانها.
++ الطرائق الانفصالية في الحجاج:
أما طرائق الفصل أو الطرائق الانفصالية فهي تلك الطرائق التي تقوم على الفصل بين عناصر تقتضي في الأصل وجود وحدة بينها ولها مفهوم واحد، فهي عناصر راجعة إلى اسم واحد يعينها، وإنما وقع الفصل بينها وعمد إلى كبر المفهوم الواحد الذي يجمع بينها لأسباب دعا إلها الحجاج، ويبني الحجاج القائم على كسر وحدة المفهوم بالفصل بين عناصره المتضامنة، على زوج: الظاهر/ الحقيقة، ويمثل الظاهر الحد الأول، والحقيقة الحد الثاني، وكل الأشياء والأنام والمعطيات يمكن أن يكون لها حدان، فهي من ناحية لها ظاهر هو الشيء أو الإنسان أو المعطى كما هو مشاهد معاين، فذلك هو الحد الأول، وهي من ناحية أخرى لها حقيقة هي جوهر ذلك الشيء أو الإنسان أو المعطى وصورته المثلى، فذلك هو الحد الثاني.
ومثال ذلك أن يقال عن شخص غير ذي مروءة:"ليس هذا الإنسان بإنسان"، فهنا يمثل الإنسان الأول الظاهر، ظاهر وجوده في المجتمع ويمثل الإنسان الثاني الحقيقة أي حقيقة الإنسان مطلقًا وصورته المثلى كما ركزها في عقلنا الدين والأخلاق والثقافة والمجتمع.
إن زوج الظاهر/ الواقع أو الحقيقة هو الزوج الذي إليه ترد كل ضروب الفصل بين المفاهيم، وذلك لعمومه ولأهميته الفلسفية.
وأكثر ما يكون الفصل داخل المفهوم الواحد في الحدود والتعريفات فالتعريف كما يقول المؤلفان وسيلة حجاج شبه منطقي، وهو أيضًا وسيلة لإحداث الفصل داخل المفاهيم خصوصًا إذا جاءت هذه التعريفات تزعم تقديم معنى للمفهوم الحقيقي في مقابل معناه الظاهري الجاري به العرف والعادة، وقد يكون الاعتراض على المعنى الظاهر مفهومًا فحسب.
يتمثل دور الفصل الحجاجي بواسطة الطرائق اللغوية والكتابية في حمل السامع أو القارئ على تمثل مظهرين اثنين للشيء الواحد أو المعطى الواحد، مظهر زائف ظاهري خداع براق من حيث إنه أول ما تصادفه الحواس ويراه الفكر، ومظهر هو الحقيقة عينها، على أن طريقة الفصل هذه لا تعين السامع أو القارئ على تمثل حقيقة الأشياء فحسب بل هي تدعوه بإلحاح إلى معانقتها فهي الحقيقة وإلى ترك غيرها فهو الزيف.
(ينظر لمزيد من الإيضاح مؤلفات عبد الله صولة رحمه الله)
بارك الله بك مقال مهم غير أنه مُقتضب، كنت ارجو لو يُخصص أمثلة عن الطرائق الإنفصالية .. بارك الله بجهودكم
ردحذف